لطالما شعرت بأن المقاهي الشعبية هي لأولئك الناس المرتبطين بالبطالة والتسكع، ولطالما حكمت عليهم بالإعدام في مخيلتي كلما مررت بجانبهم في الطريق المقابل للمنزل.
حتى اصطحبت نفسي لملاقاة أحدهم بمقهى متواضع بالعدلية. تضايقت بداية من الأكسجين المستبدل بالدخان بجوفي، حتى اعتدته بعد ساعات قليلة محاولاً الاقتراب من النافذة قدر المستطاع.
بدا لي الأمر غريباً جداً في البداية، حيث كان الناس من حولي ليس كالذي اعتدت رؤيتهم يومياً من ذوات الثقافة العالية و التنافسية الشرسة. كانوا يتنافسون في رداءتهم – بالنسبة لي – ربما للصورة الذهنية المسبقة التي وضعها الناس في عقلي ووضعتها في فمي.
يسألني النادل: شيشة؟ فأجيب: شاي النعناع. فيعاود السؤال شيشة؟ فأجيب سوف اكتفي بالشاي. عاودت الذهاب للمقهى في اليوم التالي مع شعور داخلي دخيل وجديد. علمت تلقائياَ اين يمكنني إيقاف سيارتي، وأين اعتاد صاحبي الجلوس.
دخلت بهدوء وتسللت لطاولة صاحبي المعتادة ووقفت، رفع راسه بهدوء بطبيعته، صمت لجزء من الثانية حتى استوعب عقله أني عدت من جديد بغير دعوة رسمية، مجيباً: أوو – كما يجيدها البحرينيين – علت وجهي ابتسامة النصر، اقترب الجرسون هذه المرة مع كمية أقل من الحيرة، فعاودت طلب الشاي بالنعناع. وزعت انظاري هذه المرة محاولاً فرض سطوتي على المكان كما تفعل الحيوانات للدفاع عن مستعمراتها.
لم يكترث أحد بمحاولاتي ، فقد كان الكل منشغلاً في روتينه اليومي، دون محاولة احدهم اخافتي و طردي، شعرت حينها بشعور مختلف وغريب، واكتشفت حينها بأن رواد المقهى ليسوا إلا أناس عاديين قد خلعوا أسلحتهم و أحذيتهم قبل الدخول، ففيهم من يشبهني وفيهم من يخالفني الرأي والغير، كلهم اتو هنا لكي لا يثبتوا شيئاً لبعضهم.
أحمد بوجيري
١١-١١-٢٠١٩
